خلاصة عامة


بعد دراستنا لموضوع "الخط العربي والمخطوطات من خلال النشر الورقي والنشر الالكتروني"، وبعد اطلاعنا على النتائج التي جاء بها البحث، تبين لنا أن شبكة الإنترنيت غنية بالمصادر الإلكترونية المهمة حول موضوع الدراسة من كتب ومقالات علمية وصحفية وتقارير وحوارات ومخطوطات بالنص الكامل يمكن للباحث تصفحها سواء من خلال المكتبات الرقمية العربية أو  من خلال المواقع الالكترونية العربية المهتمة بالتراث المخطوط، وتبين لنا بالتالي أن فرضية البحث غير صحيحة، إذ افترضنا أن عزوف الباحث العربي في مجال التراث العربي المخطوط عن استعمال شبكة الإنترنيت ناتج عن عدم وجود مصادر إلكترونية مهمة حول هذا التراث وعدم وجود مخطوطات بالنص الكامل بالشبكة. ونستنتج بالتالي أن هناك أسبابا أخرى وراء ضعف استخدام الباحث العربي في مجال التراث العربي المخطوط لشبكة الإنترنيت قد تكون مرتبطة بوجود حاجز نفسي من التكنولوجيا، وفي هذه الحالة ينبغي عليه تكسير هذا الحاجز، أو يكون الباحث غير ملم بالجوانب التقنية للتكنولوجيا الحديثة للمعلومات، وفي هذه الحالة ينبغي عليه تعلم طرق استعمال هذه التكنولوجيا.
   بعد دراستنا لمصادر النشر الورقي المعتمدة في  البحث حول موضوع "الخط العربي" خلصنا إلى أن هناك مجموعة من الأفكار والمعلومات المهمة وردت بهذه الأدبيات، ويمكن تلخيصها كما يلي:
   في ما يخص نشأة وتطور الخط العربي، فقد ظهر المذهب التوقيفي والمذهب الاصطلاحي وموقف علماء الآثار. المذهب التوقيفي يعيد وضع الخط إلى إيحاء من الله، والمذهب الاصطلاحي يقول انه من وضع البشر، وقد أثبت علماء الآثار أن العرب أخذوا كتابتهم عن الأنباط. وظهرت المدارس الفنية المختلفة للخط العربي، كالمدرسة المشرقية والمدرسة المغربية، فتفرعت أنواع عديدة من الخطوط العربية عن المدرسة المشرقية، كالكوفي والثلث والنسخ والرقعة والفارسي أو التعليق والديواني، كما تفرعت كذلك أنواع كثيرة من الخطوط عن المدرسة المغربية، كالكوفي المتمغرب والمشرقي المتمغرب والمجوهر والمبسوط  والمسند. تم التعريف كذلك ببعض رواد الخط العربي، كابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي.
    في ما يتعلق بموضوع الخط العربي والفنون الإسلامية العريقة والحديثة، فقد فرض الخط العربي نفسه بقوة في جميع أشكال الفنون الإسلامية. كما ألهم الخط العربي الفنانين العرب المعاصرين بالدخول في تجربة فنية جديدة، وهي توظيف الحرف العربي في مجال اللوحة بمفهومها الحديث، أو ما اصطلح عليه بلوحة الحروفية العربية. لقد خلق استخدام الخط العربي في الفن التشكيلي الحديث اتجاها جماليا في الحركة الفنية، وهو اتجاه عرف الكثير من الدراسات النقدية، منها من شجعت على الاستمرار في توظيف الحرف العربي في اللوحة التشكيلية الحديثة بطريقة تراعى فيها خصوصية وقدسية هذا الحرف، ومنها من استنكر تلك التجارب بدعوى أنها تحمل في طياتها نوايا استعمارية تهدف إلى الذوبان في ثقافة الغرب، وذلك بتشويه جمالية الحرف العربي وزلزلة أركانه وقواعده. وقد ظهر عدد كبير من الفنانين الحروفيين العرب حاولوا جميعهم حل إشكالية لوحة الحروفية العربية من خلال تجارب مختلفة، إشكالية أساسها صعوبة التوفيق بين الأصالة والمعاصرة، بين التقيد بقواعد الجمالية العربية والسعي وراء الحرية المطلقة في ممارسة العمل الفني.
   وحول علاقة الخط العربي بالطباعة، فقد تم التطرق للصعوبات التي واجهت الكتابة العربية في بداية ظهور الطباعة، حيث رأى بعض الدارسين أن عيوب الخط العربي والتي أدت إلى تأخر فن الطباعة في المنطقة العربية تكمن في  خلو الخط العربي من الأحرف الصائتة، وفي تعدد صور الحرف الواحد، وفي تقارب صور الحروف في الرسم وصعوبة تمييز بعضها عن بعض، وكذا في عدم تناسب الحروف العربية في أحجامها. وقد فرضت مسألة إصلاح الخط العربي نفسها بحدة في المحافل العلمية والأوساط الثقافية العربية خلال القرن العشرين، وكان مجمع اللغة العربية قد رصد جائزة قيمة لمن يبتكر طريقة جديدة للخط العربي تكمل نقصه، فجاءت اقتراحات عديدة من كل الأقطار العربية، لكنها لم تصب الغرض الذي نصبه المجمع، والذي قرر أخيرا إبقاء الخط كما هو عليه. ويمكن تلخيص دعوات إصلاح الخط العربي كالآتي: الدعوة إلى معالجة مشكلات الحركات، الدعوة إلى معالجة تعدد رسم الحرف الواحد، الدعوة إلى تبني الحروف اللاتينية لكتابة اللغة العربية، ثم أخيرا مشروع الأستاذ الأخضر غزال من المغرب، والذي أطلق عليه اسم "العربية المعيارية المشكولة". وقد استطاع التطور التكنولوجي الذي عرفه مجال الطباعة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، خصوصا في مجال المعلوميات، حل الكثير من مشاكل الطباعة التي كانت تتخبط فيها الكتابة العربية.
  وبخصوص الخط العربي والحوسبة، فقد تم التطرق إلى موضوع القراءة الآلية للنص العربي، والذي يرتكز على نظام التعرف الآلي على الحروف، والذي يستخدم نظم الخبرة والذكاء الاصطناعي. وما زالت القراءة الآلية للنص العربي في مراحلها الأولى، لكون هذا الميدان جد دقيق في مجال البحث العلمي، فهناك صعوبات في التعرف على  الحرف العربي الطباعي، وهذه الصعوبات تزداد أكثر عندما يتعلق الأمر بالتعرف على الكتابة العربية اليدوية. ومن شأن التعرف الآلي على الحروف المكتوبة بخط اليد أن يحل في المستقبل مشاكل كثيرة يواجهها الباحثون في مجال التراث العربي المخطوط، وتتعلق خصوصا بالصعوبات التي يجدها عدد من الباحثين في قراءة النصوص العربية القديمة.
   في ما يتعلق بالمصادر الإلكترونية المتاحة عبر شبكة الإنترنيت حول الخط العربي، فيمكن تقسيمها  إلى نوعين، النوع الأول من المصادر الإلكترونية يتمثل في الوثائق الإلكترونية من كتب ومقالات علمية وصحفية. أما النوع الثاني من المصادر الإلكترونية، فيتمثل في المواقع الإلكترونية. وقد بلغ مجموع صفحات الويب المعلنة حول الخط العربي باستعمال محرك البحث جوجل، وباستخدام الكلمات المفتاحية التالية: "الخط العربي"، "الحرف العربي"، "الكتابة العربية" 4876000 صفحة ويب عرض منها محرك البحث جوجل  2190 صفحة ويب فقط، أي بنسبة    0,045% واعتبر الباقي صفحات متشابهة من حيث المحتوى، وهو ما يجعلنا نستنتج أن عددا كبيرا من صفحات الويب التي يقوم محرك البحث جوجل بتكشيفها هي متشابهة، وبالتالي يكفي البحث في صفحات الويب المعروضة دون متابعة البحث في صفحات الويب المهملة. وقد قمنا بانتقاء 33 وثيقة الكترونية حول الخط العربي وعالجناها معالجة وثائقية من أجل التعريف بها،
   بعد دراستنا لمصادر النشر الورقي المعتمدة في البحث حول المخطوطات العربية، خلصنا إلى أن هناك مجموعة من الأفكار والمعلومات المهمة وردت في هذه الأدبيات، ويمكن تلخيصها كما يلي :
   في ما يتعلق بالمخطوطات العربية في العالم، فقد تم  التعريف بأهم مواطنها، سواء داخل الوطن العربي أو خارجه. وتم التعريف أيضا بفهرسة المخطوط العربي وبعناصر بطاقة الفهرسة، وبمشاكل فهرسة المخطوط العربي، والمتمثلة بالأساس في صعوبة تكوين المفهرس المؤهل وعدم توحيد قواعد فهرسة المخطوطات العربية، والصعوبات المرتبطة بمداخل المؤلفين القدماء،ذلك أن بعض المؤلفين العرب اشتهروا بأسمائهم، والبعض الآخر بالكنية أو اللقب،وهذا يجعل من الصعب تحديد مداخلهم على أساس واحد. وتم تسليط الأضواء كذلك على موضوع تحقيق المخطوطات العربية، تاريخه ، مراحله ، قواعده وإشكالياته. وقد لخص الباحث عبد الله بن عبد الرحيم عسيلان في كتابه "تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل" وضعية التحقيق قي البلدان العربية وبين مدى الحاجة إلى إحياء هذا التراث محققا على أسس علمية قويمة، تستهدف إخراجه في صورة صحيحة خالية من الخطأ والتصحيف مع ما يتطلبه ذلك من خدمة النص بالتعليقات والفهارس اللازمة. وبخصوص صيانة التراث الوثائقي، ومن ضمنه التراث المخطوط، فقد تم التطرق للآفات والنكبات التي تعرض لها التراث العربي المخطوط عبر التاريخ، من حرق وتدمير وغرق ونهب وسرقة، كما تم التطرق أيضا للطرق والقواعد العلمية في مجال صيانة التراث الوثائقي بشكل عام والتراث المخطوط بشكل خاص، وكذا أهمية التكنولوجيا الحديثة في مجال صيانة التراث الوثائقي، وخصوصا مشروع رقمنة التراث الوثائقي. وتم أيضا تقديم عرض موجز حول بعض التجارب العربية في مجال صيانة التراث المخطوط.
   في ما يتعلق بالمصادر الإلكترونية المتاحة عبر شبكة الإنترنيت حول المخطوطات العربية، فيمكن تقسيمها كذلك إلى نوعين . النوع الأول من المصادر الإلكترونية يتمثل في الوثائق الإلكترونية من كتب ومقالات علمية وصحفية ومخطوطات بالنص الكامل. أما النوع الثاني من المصادر الإلكترونية فيتمثل في المواقع الإلكترونية. وقد وجدنا، بمصادر النشر الإلكتروني،  حضورا لكل العناصر التي تطرقت إليها مصادر النشر الورقي حول المخطوطات العربية. وبلغ مجموع صفحات الويب المعلنة حول المخطوطات العربية باستعمال محرك البحث "جوجل" وباستخدام الكلمات المفتاحية التالية: "المخطوط العربي"، "المخطوطات العربية"، "التراث العربي المخطوط"، 440000 صفحة ويب، قام محرك البحث جوجل بعرض 1510 صفحة ويب منها فقط، أي بنسبة  0,34%  واعتبر الباقي صفحات متشابهة. وقد قمنا بانتقاء 67 وثيقة الكترونية حول قضايا المخطوطات العربية وعالجناها معالجة وثائقية من أجل التعريف بها.
   ينبغي الإشارة أيضا إلى أن هناك كذلك، بالإضافة إلى محرك البحث جوجل، محركات بحث عديدة تدعم اللغة العربية يمكن للباحث أيضا استخدامها للحصول على مزيد من المصادر الإلكترونية، سواء على مستوى الكم أوالكيف، كما يمكن للباحث في مجال التراث العربي المخطوط استعمال مختلف محركات البحث العالمية للحصول على وثائق الكترونية حول هذا التراث وبلغات أجنبية عديدة، ويستحسن دائما استعمال البحث المتقدم الذي توفره بعض محركات البحث لحصر النتائج أكثر.
    في هذا الإطار ندعو الباحثين العرب في مجال التراث العربي المخطوط إلى الانخراط  في الثورة المعلوماتية، والتعود على النهل من منابع النشر الإلكتروني ومن المصادر الإلكترونية المتاحة من خلال شبكة الإنترنيت، وذلك بتوظيف هذه الشبكة سواء في إنجاز أبحاثهم ودراساتهم الأكاديمية أو للإطلاع على آخر المستجدات حول قضايا التراث العربي المخطوط من خلال الصحف الإلكترونية؛ نظرا للفوائد الجمة التي يمكن أن يجنيها هؤلاء الباحثون من استخدام شبكة الإنترنيت، والتي ستوفر لهم فرصة ثمينة للقيام بأبحاث عن بعد، والتواصل بسرعة مع مختلف الجهات المختصة في مجالات أبحاثهم، كما ستوفر عليهم أيضا الجهد والوقت والمال للحصول على المعلومة، وستجنبهم تكرار الدراسات التي يمكن أن تنجز حول موضوع معين من قبل باحثين يتواجدون في مناطق مختلفة من العالم. وفي ما يخص تحقيق التراث المخطوط، ستمكن شبكة الإنترنيت الباحثين من التعرف على النسخ المختلفة للمخطوط، والمتواجدة في مختلف بقاع العالم، مع إمكانية تصفح هذه المخطوطات بالنص الكامل من خلال ما أصبح يعرف بالمكتبات الرقمية.
    ندعو الباحثين العرب في مجال التراث العربي المخطوط كذلك إلى التعريف بإنتاجهم الفكري عبر نشره  بإحدى مواقع المؤسسات والمراكز العلمية أو خلق مواقع إلكترونية خاصة بهم لهذا الغرض. كما ندعو جميع المراكز العلمية والجامعات وكليات الآداب والعلوم الإنسانية والمكتبات التراثية بالوطن العربي إلى خلق  مواقع لهم على شبكة الإنترنيت، وألا يقتصر محتوى هذه المواقع على المعلومات الإدارية والتقنية، بل ينبغي  خلق بنوك معطيات نصية بتلك المواقع. إن أهمية قواعد المعطيات النصية في مد الباحث بالمعلومات الضرورية لإنجاز أبحاثه أو لإغناء معارفه أصبحت مسألة لا تقبل الجدل أمام عجز قواعد المعطيات الببليوجرافية على توفير هذه الخدمة بشكل كامل. وإذا كانت قواعد المعطيات الببليوجرافية ما زالت تحتفظ بقيمتها ومكانتها بالنسبة للاستعمال الداخلي للمكتبات التي تتوفر على الرصيد الوثائقي بعين المكان، فإنها أصبحت تفقد أهميتها بالنسبة لمراكز التوثيق التي لا تتوفر على رصيد وثائقي ملموس، والتي انتقلت إلى خلق قواعد معطيات نصية رقمية وإتاحتها للباحثين عن طريق شبكة الإنترنيت، وهو مجال أصبح يعرف منافسة شديدة، حيث أصبحت قواعد المعطيات النصية تلك تشكل مكتبات رقمية حقيقية يمكن زيارتها في كل مكان وزمان، ووفرت بذلك الوقت والمال على الباحثين، وأعفتهم من صعوبات التنقل والعوائق البيروقراطية. ينبغي الإشارة أيضا إلى أن التطور الذي عرفته قواعد المعطيات ما زال يعد بالكثير، حيث تنكب الأبحاث العلمية والتكنولوجية على خلق بنوك المعرفة التي تعتمد على نظم الخبرة والذكاء الاصطناعي، والتي تتجاوز خدمات قواعد المعطيات النصية، حيث تقوم بتقديم الخبرة في مجال معين بدل المعلومة. كما أن الأبحاث العلمية والتكنولوجية الحالية منكبة على تطوير بناء مكتبات رقمية باستخدام وتطبيق تكنولوجيات الويب الدلالي، وهي ثورة جديدة في عالم الويب وطرق استرجاع المعلومات تهدف إلى جعل الآلة تفهم معنى محتويات صفحات الويب، وبالتالي تقديم نتائج ذكية ودقيقة حول موضوع البحث، إنه العصر الرقمي بكل المقاييس .
  وختاما يحق لنا أن نطرح السؤال التالي: أين هم العرب من كل هذا؟ ما هو موقع المكتبات الرقمية العربية بين ما هو متاح حاليا على شبكة الإنترنيت؟ أكيد أن هناك مشاريع عربية عديدة قيد الإنجاز في مجال المكتبات الرقمية بشكل عام والمكتبات الرقمية التراثية بشكل خاص، غير أن الوثيرة تظل بطيئة للغاية في عصر تشتد فيه المنافسة وتتسع فيه الفجوة الرقمية بين الشعوب والحضارات. إنها دعوة للإنكباب على خلق مزيد من المكتبات الرقمية العربية لتعزيز المحتوى الرقمي العربي على شبكة الإنترنيت ولإبراز المساهمة العربية في بناء الحضارة الإنسانية.
   هناك من يتحدث حاليا عن صراع قائم بين النشر الورقي والنشر الإلكتروني، وهناك من يتحدث فقط عن وجود منافسة عادية بينهما، وآخرون يتحدثون عن وجود "منافسة شرسة" تتموقع بين المنافسة العادية والصراع. وحسب رأينا الخاص، فالمسألة تتعلق بحتمية التطور، إنه التحول العميق القادم في الأفق في كل مناحي الحياة، وانخراط المواطن العربي بشكل عام  والباحث العربي بشكل خاص في الثورة المعلوماتية لم يعد خيارا، بل أصبح حتمية تاريخية ورهانا حقيقيا لمواجهة تحديات الألفية الثالثة.